وصف بأنه مفخرة أدبية وإنسانية.. ميخائيل نعيمة.. صفحات من فصول التجديد والثورة على الجمود
انحاز الأديب والمفكر اللبناني ميخائيل نعيمة في معظم قضايا الأدب العربي التي ناقشها في مؤلفاته النقدية، ولا سيما كتابه الشهير الذي أصدره مبكرا بعنوان "الغربال"، إلى قيم الحداثة والتجديد، والهجوم بشراسة على مواقف الجمود والتقليد والرجعية دون النظر لمكانة هؤلاء الذين يتخذون مثل هذه المواقف الجامدة.
نعيمة، الذي رحل في أواخر فبراير من العام 1988، قدَّم دورا رائدا في الوقوف إلى جانب التجديد والثورة على القديم في الأدب العربي الحديث، بدرجة جعلة الكاتب عبدالرحمن الخميسي يصفه بأنه "على رأس مفاخرنا الروحية والأدبية" وأنه "مدرسة إنسانية فريدة، ومذهب مخلص من أشرف مذاهب الفكر الإنساني".
اللغة آلة في يد الإنسان
وبالنظر إلى بعض ما عرضه نعيمة من أفكار، ففي مجال اللغة هاجم أنصار الجمود ووصفهم بـ"ضفادع الأدب"، وهو عنوان لأحد مقالاته في كتاب "الغربال"، لأنهم بحسب رأيه يصدرون نقيقا مزعجا عندما يحاول أحد الشعراء أن يكسر الطوق ويخلق تركيبا لغويا فريدا في الوقت الذي هم يبحثون فيه عن هذا التركيب في كتب القدماء، فإن لم يجدوه هاجموه هكذا: "واق واق واق، ومعناها لقد خربت آلتنا الجميلة"، وهو تعبير ساخر استخدمه نعيمة للحديث عن طريقة التقليديين في الهجوم على خصومهم.
ذهب "نعيمة" للإشارة إلى دور اللهجات العامية الحديثة في ثراء المعجم اللغوي للغات بصورة عامة، وهو ما يجعلها أي اللغة "تحيى بالإنسان، لا هو بها، وتتغير بتغير أطواره، ولا يتغير بتغير أطوارها، هي آلة في يده وليس آلة في يدها"، أي أن اللغة تتطور مع تقدم الزمن وتبدل الحياة، وكارثة أنصار الجمود "أن الحياة تسير بهم وهم قعود، فيتوهمون أن الحياة قاعدة مثلهم"، على حد تعبيره.
وتعليقا على دور تحولات اللغة، شرح "نعيمة" أن العربية قطعت العديد من المراحل والتحولات وتقلبت في العديد من التقلبات، ولا تزال لغة يتفاهم بواسطتها ملايين البشر، فاللغة هي مظهر من مظاهر الحياة لا تخضع إلا لقوانين الحياة فهي تنتقي المناسب وتحتفظ من المناسب بالأنسب في كل حالة من حالاتها وكالشجرة تبدل أغصانها اليابسة بأغصان خضراء وأوراقها الميتة بأوراق حية.
ولم يترك نعيمة الفرصة إلا واستغلها في الوقوف بجانب ابن موطنه الشاعر جبران خليل جبران، وصاحبه في الانتماء لمدرسة المهجر الأدبية، الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب قوله "هل تحممت بعطرٍ/ وتنشفت بنورٍ" في قصيدة له بعنوان "المواكب"، مؤكدا أن "مفردة جبران تحمل بنعومتها ألقًا يليق بالقصيدة".
الجمال ومقاييس الأدب
انحاز أيضا نعيمة للقيمة الجمالية في الأدب، وقدرته الفائقة في التعبير عن النفوس الإنسانية مع تنوعها، لذا نجد الشاعر عنده هو "مَن يمد أصابع وحيه الخفية إلى أغشية قلوبكم وأفكاركم فيرفع جانبا منها، ويحول كل أبصاركم إلى ما انطوى تحتها، فتبصرون هناك عواطف وتعثرون على أفكار، ولأول وهلة تحسبونها أفكار الشاعر وعواطفه، ولكنها في الحقيقة عواطفكم وأفكاركم لم يكتشفها الشاعر ولا ابتدعها ولا أيقظها، لكنه رفع جانبا من الستار عنها، وصوب كل أبصاركم إليها ثم ترككم وإياها تستجلون ألوانها وتتفحصون معانيها".
وبحسب نظرته في وقت مبكر، إذ أصدر نعيمة كتابه "الغربال" في عام 1923 تقريبا، إلا أن بعض مقاييسه التي وضعها لنهضة الأدب تحتاج لإعادة القراءة، فأولها الإفصاح عن العوامل النفسية التي تنتاب الإنسان. وثانيها الانحياز لنور الحقيقة، حقيقة ما في العالم من حولنا. وثالثها حاجتنا إلى الجميل في كل شيء، ففي الروح عطش لا ينطفئ إلى الجمال، وكل ما فيه مظهر من مظاهر الجمال. ورابعها الموسيقى، ففي الروح ميل عجيب إلى الأصوات والألحان لا ندرك كنهه. وهي مقاييس وصفها بالروحية التي تشغل الناس مهما تنوع الأفراد.